لماذا تتفوق الفتاة في الدراسة؟ خبراء يجيبون..
ماهي الفرضيات التفسيرية لظاهرة تميز الفتيات في مجال الدراسة ؟ هل أن تميز الفتيات له تداعيات في مجال القيادة المجتمعية؟؟ كيف نفسر المفارقة بين تميز الفتيات في الدراسة وتقلد الذكور لمناصب القيادة ؟ هي جملة من التساؤلات التي حاول عدد من الخبراء الإجابة عنها خلال ندوة حوارية نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في تونس.
أي علاقة عكسية بين تميز الفتيات في المدرسة ورسوب الذكور؟
وفي هذا الاطار بينت أستاذة علم الاجتماع في جامعة تونس عايشة التايب أن ظاهرة تميز الفتيات في مجال الدراسة لها أبعاد عميقة في مختلف المجالات.
ولفهم هذه الظاهرة ربطتها الدكتورة بظواهر أخرى أساسا التسرب المدرسي للذكور ورسوبهم وهل هناك علاقة عكسية بين هاتين الظاهرتين؟ وهل لذلك علاقة بمهن الوالدين ومستواهم الدراسي والمستوى الاجتماعي والمادي للعائلات؟ ما مدى التفوق الدراسي للفتيات في سوق الشغل؟ هل هذه الظاهرة هي ظاهرة صحية؟
وقالت ان هناك دراسة فرنسية أظهرت أن التفوق الدراسي للفتيات ينتشر أكثر لدى الطبقات الاجتماعية المتوسطة والمحدودة كما أن هناك منحى لتميز الفتيات مقابل تراجع لدى الذكور في الدراسة وهو راجع إلى التنشئة الاجتماعية التي تقوم على انضباط الفتيات مقابل تمرد الذكور .
وعلى المستوى الوطني بلغت نسب التمدرس 54% لدى الاناث و46% لدى الذكور في حين بلغت نسبة التسرب 10% لدى الذكور و4% لدى الإناث.
وبلغت نسبة نجاح الفتيات في الدورة الرئيسة باكالوريا 2022 ، 61.49% مقابل 38.51% للذكور .
وأرجعت الأستاذة في علم الاجتماع تفسير هذه الارقام إلى الرابط بالمدرسة الذي يبدو أقوى لدى الفتيات في حين لم تعد تمثل المدرسة حلا لدى الذكور كما فقدت الشهادة العلمية معناها لديهم وأصبحوا يفكرون في الكسب السريع من خلال العمل في الاقتصاد الموازي والهجرة غير النظامية وغيرها من الحلول المدينة بالوعود. أما الفتاة ما تزال مرتبطة بالمؤسسة التربوية إذ تجدها مصدر طمأنينة لديها.
هل تفوق الفتيات في الدراسة ظاهرة صحية؟
من جهتها اعتبرت مديرة قسم علم الاجتماع في الجامعة التونسية منية الرقيق أن ظاهرة التفوق المدرسي للفتيات هي ظاهرة تبدو في ظاهرها صحية لكنها تحمل أكثر من تأويل.
حيث ان التفوق المدرسي للفتيات هو استعمال مختلف لمؤسسة أبوية لا تعترف بالاختلاف.
وأضافت انه منذ الحركة الإصلاحية في أواخر القرن 19 طرحت مسألة تعليم المرأة لأن في ذلك رهان اجتماعي يجمع بين تعليم المرأة والمحافظة على المنظومة الابوية للمجتمع التونسي وفي ذلك احراج ثقافي وديني وسياسي .
المجتمع الأبوي وراء تميزهن ..والثمن حريتهن
وأفادت كل الإحصائيات تميز المرأة عدديا وكيفيا في المدرسة ومن إيجابيات ذلك أن هناك ثورة ثقافية سياسية اجتماعية أدت إلى هذه الوضعية.
لكن التساؤل المطروح هل ان النجاح المدرسي هو نجاح اجتماعي؟ وهل هو نجاح مهني؟
واستنتجت المتدخلة ان الصور النمطية القائمة على التقسيم الجنسي تتعمق في الطبقات المتوسطة والفقيرة ومن هنا تم فهم أسباب تفوق الفتيات في المجال المدرسي حيث قامت تنشئة البنت وتهيئتها على أن تكون محافظة على النظام المجتمعي ومطيعة وتحترم الأستاذ و طالبت أن تقوم ثورة لإرجاع الرجل للمؤسسة التربوية و ان تتم إعادة النظر في المضامين التعليمية وعلى القائمين على هذه المنظومة.
كما أضافت تساؤلا ماهو ثمن ان تكون الفتاة التلميذ النموذج؟ وخلصت إلى أن ذلك على حساب أن تكون للتلميذة شخصية ناقدة لها فكر حر وقادرة على الاختيار دون إملاءات خارجة عن إرادتها.
تتفوقن في الدراسة وتتراجعن في سوق الشغل
أما المتفقدة و رئيسة الجمعية التونسية للتربية المدنية انصاف فتح الله فقد اعتبرت ان ظاهرة تفوق الفتيات في المدارس ليست ظاهرة جديدة لا في تونس ولا في العالم.
لكن نسب البطالة في صفوف الفتيات أعلى من الذكور
حيث بينت اخر احصائيات المعهد الوطني للإحصاء خلال الثلاثي الثالث من سنة 2022 أن نسبة البطالة لدى الذكور بلغت 15.2 % بينما بلغت 32.0 % لدى الإناث .
كما ان ظاهرة التسرب المدرسي لدى الذكور في السنوات الأولى في الاعداديات أعلى نظرا لرفضهم الانصياع لأوامر ''المرأة'' الأستاذة وهو ما يجعلهم ينفرون من الدرس.
في حين تمثل المدرسة بالنسبة للفتيات قاطرة لتنقذهن من وضعياتهن الاجتماعية وتفتح لهن أبواب الحرية في الجامعة للتخلص من النظام الذكوري في العائلة.
كما عرضت انصاف فتح الله جملة من الارقام بينت ان الفتيات اللواتي تستمررن في الدراسة من مرحلة الابتدائي الى الجامعة 10 مرات أكثر من الذكور .
وأرجعت أسباب تفوق الفتيات إلى التربية الاجتماعية ، التعود على سلوك الانضباط والطاعة كما أن المدرسة طالما كانت ملاذا للفتيات هروبا من الواجبات المنزلية.
وطالبت في الخصوص بمراجعة المنظومة التربوية في تونس ومن بعدها التشريعات في مجال العمل التي لا تعكس حقيقة تفوق الفتيات في كافة مراحل الدراسة.
بشرى السلامي